آخر التعليقات

الثلاثاء، 5 ديسمبر 2017

رأس مالية الفقر


سمعت قبل كدا عن فشل أقوي نظام رأسمالي و أقوي دولة في العالم في حماية شعبها من الفقر أو حتي تخفيض نسبته داخلياً ؟
شوف يا سيدي .... "معهد كاتو" هو مؤسسة أمريكية فكرية حرة مقرها العاصمة واشنطن و بتعمل على تأييد الحقوق العامة و دراسة نتائج التعرض إلي وسائل الإعلام و تأثيره المجتمعي.
احتل المعهد المركز ال١٦ من بين أفضل ١٧٥ مركز بحثي علي مستوي العالم طبقاً لتقرير "معهد أبحاث السياسة الخارجية" الخاص بجامعة بنسيلفانيا للعام ٢٠١٤. و في العام ٢٠١٦ إحتل المركز ال١١. أمَّا عن تصنيفه المحلي، طبقاً لنفس التقرير، فقد احتل المركز الثامن بين ٧٥ مركزاً بحثياً بالولايات المتحدة الأمريكية بالعام ٢٠١٤ و السادس في العام ٢٠١٥.
في العام ٢٠١٢، أصدر المعهد تقراراً بعنوان " دولة الرفاة الأمريكية – كيف ننفق ما يقرب من تريليون دولاراً سنوياً لمحاربة الفقر ثم نفشل".
يذكر التقرير أن برامج محاربة الفقر داخل الولايات المتحدة الأمريكية بدأت منذ العام ١٩٦٤ عندما أعلن الرئيس جونسون خلال خطابه بالكونجرس بدء "الحرب الغير مشروطة علي الفقر". خلال ذلك الوقت كانت نسبة الفقر بالولايات المتحدة الأمريكية لا تزيد عن ١٩٪‏ و كانت في إنخفاض واضح.
في العام ٢٠١٢، كانت نسبة الفقر ١٥,١٪‏ و في إزدياد.
ما بين العام ١٩٦٤ و العام ٢٠١٢، أنفقت الحكومة الفيدرالية ١٢ تريليون دولار لمحاربة الفقر و أنفقت الدولة و الحكومات الداخلية ٣ تريليونات. و برغم كل دا، إلا ان أقل نسبة وصل إليها الفقر داخل أمريكا كانت ١٠,٥٪‏.
التقرير بيقول أن حاليا في ١٢٦ برنامج منفصل خاص بالحكومة الاتحادية من أجل محاربة الفقر. معظم البرامج دي بتقدم مساعدات مباشرة للأفراد أصحاب الدخل المنخفض في شكل معونات نقدية، و غذاء، و سكن، و رعاية طبية، طبقاً للدخل الخاص بالمتلقي. البرامج الأخري تعمل على تقديم مساعدات إلي المجتمعات الأكثر مأساوية إقتصادياً أو إللي عندها أعداد كبيرة من الفقراء، أو بتحتاج برامج فئوية زي إعانة للمحرومين أو الغير قادرين علي الكسب زي العمال المهاجرين أو من لا مأوى لهم.
في العام ٢٠١١ أنفقت الحكومة الاتحادية تقريبا ٦٦٨,٢ مليار دولار على البرامج ال١٢٦. الرقم دا بيمثل زيادة أكثر من ١٩٣ مليار دولار منذ تولي باراك أوباما رئاسة البلاد. الرقم دا بيزيد مرتان و نصف عن أي زيادة حصلت قبل كدا في أي مدى زمني مماثل في تاريخ الولايات المتحدة و بيساوي تقريباً ٢,٤ في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
حتي أن ميزانية وزارة الدفاع نفسها في العام ٢٠١٢، بما في ذلك الإنفاق على الحرب في العراق وأفغانستان، بلغت إجمالي ٦٨٥ ميار دولار و هو رقم أقل من قيمة الإنفاق علي برامج الحرب علي الفقر.
جنبا إلى جنب مع الدولة والإنفاق المحلي، تنفق الحكومة ٢٠,٦٤٠ دولاراً لكل شخص يعاني الفقر في أمريكا، أو ٦١,٨٣٠ دولاراً لكل عائلة فقيرة من ثلاثة أفراد. وبالنظر إلى أن خط الفقر للأسرة هو ١٨,٥٣٠ دولاراً فقط، فإن من الناحية النظرية كان يجب أن يُمحى الفقر في أمريكا تماماً أكثر من مرة طوال الفترة الماضية.
المشكلة الرئيسية هي أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفق أكثر مما يكفي من أجل مكافحة الفقر ولكنها لا تنفق تلك الأموال علي الطرق الذي تقلل حقاً من الفقر.
الحكومة الاتحادية مولت في ٢٠١٢ ال١٢٦ برنامج دول بشكل أو بآخر. العدد الدقيق للبرامج بيتغيرمن سنة للأخرى، و دا بيتوقف على إعتمادات الكونغرس و أولويات الرئاسة. لكن بشكل عام، عدد برامج الحكومة الإتحادية لمكافحة الفقر طوال العشر سنين إللي فاتوا تجاوزت ال١٠٠ برنامج.
أكبر البرامج هو برنامج الرعاية الصحية "ميديكير". يقوم البرنامج بالإنفاق علي المساعدات الطبية و الصحية للفقراء و بيتصدر الإنفاق العام علي جميع البرامج بقيمة ٢٢٨ مليار دولار في العام ٢٠١١. أمَّا برنامج المعونة الغذائية التكميلية (طوابع الغذاء) فهو البرنامج الثاني الأكثر إنفاقاً إللي بيكلف ما يقرب من ٧٢ مليار دولاراً.
بكل المقاييس، فإن الانفاق على الرعاية الاجتماعية بالولايات المتحدة زاد بشكل كبير منذ العام ١٩٦٥. فالإنفاق الفيدرالي زاد من ١٧٨ مليار دولار إلى ٦٦٨ مليار دولار، أي بزيادة نسبتها ٣٧٥٪‏ في العام ٢٠١١. في حين ارتفع إجمالي الإنفاق العام علي الشؤون الإجتماعية، بما في ذلك الإنفاق الفيدرالي و إنفاق الحكومات المحلية من ٢٥٦ مليار دولار إلي ٩٠٨ مليار دولار خلال العام ٢٠١١ فقط.
قياساً بالنسبة المئوية من الناتج المحلي الإجمالي، فإن الانفاق الفيدرالي زاد أكثر من أربعة أضعاف؛ أي من ٠,٨٣٪‏ فقط من الناتج المحلي الإجمالي إلى ٤,٤٪‏. و زاد إجمالي الانفاق على الرعاية الاجتماعية ثلاثة أضعاف تقريبا من ٢,١٠٪‏ من الناتج المحلي الإجمالي إلى ٦٪.
بالطبع، هذا لا يعني أن الإنفاق من أجل مكافحة الفقر ليس له أدني تأثير. فمن المؤكد أن مستويات الفقر كانت ستكون أعلى من ذلك بدون مثل هذا الإنفاق. في الواقع، فإن القياسات البديلة للفقر تؤكد أن معدلاته كانت ستجتاز نسبة ال١٨٪‏ بدون تلك البرامج الخاصة بالرعاية الاجتماعية.
و من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفق أكثر مما يكفي من المال من أجل خفض معدل الفقر. و هو ما يشير إلى أنه لابد من أنها تقوم بذلك بشكل خاطيء.
و كما جرت العادة دائماً، فإن طبيعة الحكومات هي تنفيذ مثل تلك البرامج للاستفادة من نتائجها لأجل مصلحتها بدلا من تحقيق الأهداف المعلنة حقاً. فقوة السلطة السياسية اللازمة لتحويل الدخل إلي الفقراء هي نفس القوة التي يمكن استخدامها لنقل الدخل لغير الفقراء، وهؤلاء عادة هم الأكثر تنظيماً سياسياً و الأكثر قدرة على استخدام السلطة السياسية لتحقيق أغراضهم. فالفئات الغير فقيرة من ذوي المصلحة في الإستفادة من برامج مكافحة الفقر هم الأخصائيين الاجتماعيين وموظفي الحكومة الذين يديرون البرامج العامة و يعملون علي إرشاد الناس، مثل مُلَّاك الأراضي و الأطباء، الذين يتقاضون أجورهم من أجل تقديم الخدمات للفقراء. وهكذا، فإن برامج مكافحة الفقر عادة ما تكون أكثر إهتماماً بحماية امتيازات البيروقراطية عن مكافحة الفقر ذاته.
كذلك فإن الغالبية العظمى من البرامج تتركز على جعل الفقر أكثر راحة عبر إعطاء الفقراء المزيد من الغذاء و توفير المأوى و الرعاية الصحية بصورة أفضل بدلا من إعطاء الناس الأدوات اللازمة التي من شأنها مساعدتهم على الهرب من الفقر.
لذا فمن الواضح أن السياسة الأمريكية تنفق التريليونات ليس من أجل القضاء علي الفقر، و لكن من أجل الإبقاء علي النسبة الكافية التي تُخوِّل للإدارات المتلاحقة أن تضع الخطط و البرامج التي تستطيع من خلالها الإنفاق علي الفئات الأكثر وعياً سياسياً و التي تعود بالفائدة السياسية علي النظام الحاكم سواء الديمقراطي أو الجمهوري.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More