آخر التعليقات

الخميس، 20 أكتوبر 2016

التعايش المرفوض


في أوقات الفوضي و التغيير بتظهر نداءات عدة كانت تُصنَّف من قبل بأنها نداءات شاذة و غريبة و ممكن تصل لدرجة انها مُحرمة. في الأوقات دي بيظهر نوع من أنواع الضغط سواء بالكلام أو بالاخبار من خلال استخدام مصطلحات جديدة او شعارات مستحدثة تليق بالمرحلة المعاصرة و بيتم نشرها بصورة مُكثفة عبر وسائل النشر الثقافية و الإعلامية المختلفة العامة و الخاصة و الشخصية و حتي من خلال التعاملات الفردية. الكثافة اللي بيتم بيها نشر المفاهيم و الأفكار و الشعارات الجديدة دي بتقتل عند الناس مع الوقت حاسة النقد و بتخليها تتقبل أخبار دي و تصبح عندها أخبار مُعتادة و غير مُستهجنة و ممكن تصل لدرجة أنها تبقي مقبولة و مستساغة و ممكن تتجاوز المستوي دا و يبقي عدم وجودها أمر غريب و الهجوم عليها أمر غير طبيعي.
طلاسم ؟
طيب تعالوا نعطي أمثلة.
لو رجعنا بالزمن حاجة بتاعت ٢٠ وللا ٢٥ سنة في بدايات هوجة تصوير الأغاني بنظام الفيديو كليب، هانلاقي انها كانت في بداياتها غير مرحب بيها و كانت محل نقد الكثير من الناس علي اختلاف مستوياتهم الاجتماعية و الثقافية. حتي ان عدد كبير من منتجين النوع دا من الاغاني لم يستطعوا ان يحصلوا علي الفرصة اللي بيها تذيع لهم القنوات انتاجاتهم لأن المتاح وقتها كانت القنوات المحلية فقط و اللي كانت ملتزمة بنمط محدد صعب تغييره. مع الوقت بدأت تظهر القنوات الفضائية العربية اللي بتنشر النوع دا من الأغاني و مع انتشار الدِش، أصبحت أسطح منازل مصر كلها عبارة عن غابات من الأطباق اللي بتستقبل القنوات الفضائية و اللي بالطبيعة أثرت علي حجم مشاهدة القنوات المحلية و اللي اضطرتها انها تغير من سياساتها و تبدأ تذيع الحاجات اللي كانت بترفضها قبل كدا. و مع الوقت بدأت تظهر قنوات فضائية متخصصة في الفيديو كليب و اللي بتذيع علي مدار ال٢٤ ساعة كليبات لأغاني مصرية او خليجية او لبنانية لغاية ما أصبح انتاج الأغنية شيء مش صعب و بقي أي حد يجيب أي واحدة تقول أي كلام مالوش أي معني علشان يملأ البرنامج اليومي و ساعات البث و تدفع المشاهد للبقاء أمام شاشاتها.
في بدايات القنوات دي كان بيتم قذفها بالمقالات و التصريحات اللي انتقدتها و حذرت الناس منها لغاية ما فشلت كل الجهود في مواجهاتها.
و النهاردة اصبح من الصعب تلاقي حد بيكتب مقال في انتقاد ظاهرة الڤيديو كليب لأنها خرجت من كونها ظاهرة إلي كونها مسألة عادية و غريب ان في حد ممكن ينتقدها في زماننا.
مثال تاني: من حوالي ٦٠ سنة كان مستحيل حد في امريكا يجهر بأنه شاذ جنسياً أو عنده ميول شاذة. و انا باقول "يجهر" مش معني كدا ان ماكانش في شواذ.
في أواخر الستينات و أوائل السبعينات كان "هارڤي ميلك" من أوائل المدافعين عن حقوق الشواذ في امريكا و بعد ما مات اتعمل عنه كذا فيلم اشهرها اللي قام بتمثيله الممثل الامريكي الكبير "شون بين" في العام ٢٠٠٥ و اللي ظهر فيه كأنه بطل قومي.
امريكا لم تعترف بحقوق الشواذ رسمياً الا من بدايات الألفية دي و بالذات في ٢٠٠٣ في كام ولاية لغاية ما في ٢٠١٥ اعترفت بيها ٥٠ ولاية بصورة رسمية من خلال اقتراع عام و دا بعد صراع حقوقي طويل جداً من جانب الشواذ نفسهم و المؤسسات المحلية و الدولية اللي بتدعمهم. و لولا ان الشعب الامريكي نفسه وافق علي اعطاء الفئات دي حقوق ما في الدستور و القانون ماكانش دا حصل. الشعب اللي وافق علي دا اكثر من ٧٠٪‏ منه مش شواذ و بدون الضغط و الكثافة في عرض القضية في وسائل الاعلام المختلفة بالطرق المؤثرة علي الوعي الجمعي كان لا يمكن يروح راجل او امرأة غير شاذة و يحطوا صوتهم في الصندوق للموافقة علي حقوق الشواذ.
احنا النهاردة بيحصل عندنا كدا في مصر. في فئات و أعداد بينشروا كل يوم أخبار و كلام عن قضايا كانت مُستغربة قبل كدا و عايزين بكثافة نشرها و عرضها يخلوها قضايا عادية. و الزن علي الودان أمرّ من السحر.
حكايات البنات اللي قلعوا الحجاب او اللي بيعانوا في مدارسهم من لبسه بالإجبار مع الحكايات عن العلاقات الغير طبيعية بين الولاد و البنات خارج منظومة الزواج الشرعي و قصص كفاح بنات حصلوا علي حرياتهم من ضغوط أهاليهم و اتحرروا من العيشة وسطهم و اصبحوا مستقلات و اقوياء مع قصص اللي بيطالبوا بحقوقهم كملحدين كأننا في ثورة علي العقائد و الأعراف و لسنا في ثورة علي الفساد.
النهاردة بتلاقي جمعيات او مؤسسات بتدافع عن كل دول و بتنشر اخبارهم و قصصهم و بيعملولهم ندوات و بيكتبوا حكاياتهم علي وسائل التواصل و في مقالات و بينشروا افكارهم من باب الحريات و الحقوق. النهاردة تلاقي واحد كاتب رواية فيها الفاظ قذرة و الدولة بتحكم عليه بالسجن فتنتفض المؤسسات الحقوقية لتطالب بحقه في الادلاء برأيه بالطريقة اللي هو يختارها.
النهاردة تلاقي واحد عامل فيلم عن معاناة ال"شيميل" او مزدوجي الجنس و قضيتهم في مصر و حقوقهم و تنتفض المؤسسات الحقوقية لما الرقابة تمنع عرضه و تبدأ تطالب بحقه في الرأي و التعبير من خلال رفع قضايا بأسمه ضد المؤسسات الرسمية.
كل دا و اكثر بيحصل في الغالب مش لأن الناس دي عندها نية للكسب المادي، و لكن لأنها عايزة تضغط. و كل ما هاتضغط كل ما هاتكسب أرض. و كل ما هاتكسب أرض هاتثبِّت مفهوم ان القضايا دي عادية و من حق أصحابها ان يتمتعوا بيها و يتكلموا عنها و يعرضوها للناس و يخلوهم مع الوقت في صفهم لأنهم يا عيني غلابة و مكسوري الجناح و مهضوم حقهم.
لا ننكر ان في كثير من البنات بيتم اجبارهم علي لبس الحجاب باسلوب يخلو من أي فهم لأقل مباديء الدين و التربية الصحيحة و لا ننكر ان في بنات بيتم قهرها و استخدام العنف الجسدي معاها و التعامل معاها كأنها أحقر من الجماد و ماننكرش ان في ولاد بيعانوا من امراض نفسية و صحية و جنسية محتاجة علاج نفسي و عضوي و محتاجة ناس متخصصة عندها ضمير و فهم سليم لكن بيتم التعامل مع قضاياهم كأنها كيس قمامة ماحدش يقرب منها.
في ظلم مجتمعي نابع عن جهل و تخلف في السلوك و التربية. لكن المشكلة ان المؤسسات اللي بتسمي نفسها حقوقية مش بتحاول تحل المسألة و تضبطها و تدرب الأهل و الأقارب علي كيفية التعامل معها لكنها بتقوي من أصحاب القضايا و بتحرضهم ضد مجتمعهم الخاص و العام و بتحرض المجتمع اللي حوليهم انه يقويهم ضد أسرهم و يفككوا الروابط دي كلها علشان ينتج في النهاية مجاميع عندها قضايا غير منضبطة محتاجة حلول لم تصل اليها، و أهالي لازالوا علي حالهم بيربوا ولاد و بنات تانيين بنفس الاسلوب و السلوك لأن ماحدش قاللهم الطريقة الصحيحة او حذرهم من النتيجة.
المؤسسات الحقوقية و الشخصيات الحقوقية و اصحاب القضايا بيضغطوا بكثافة في نشر الاخبار و القصص دي علشان يقتلوا الحس النقدي عند الناس و علشان يستقر في الوعي الجمعي ان القصص دي مستساغة و مش غريبة و بدلاً من علاجها، يجب التعايش معها حتي و ان كانت مرفوضة.
المؤسسات دي مش هدفها الأساسي، و إن كان هو هدف بالفعل، ان كل البنات تسيب بيوتها و تبقي مستقلات ولا ان كل الشواذ يفضلوا كدا و يزيدوا ولا ان الملحدين يمشوا في الشارع ينشروا افكارهم بين الناس، لكن هدفهم الأساسي ان المجتمع يتعامل مع القضايا دي بأنها قضايا عادية و طبيعية.
المؤسسات دي عايزة الناس لما تشوف وللا تسمع بالقضايا دي و تعرف أصحابها تسكت و ماتتكلمش و تدافع عن وجودهم و عن حقوقهم.
القضايا دي مع الوقت لو غفل المجتمع عنها و بطَّل ينتقدها هاتتحول من قضايا إلي أمور عادية في الحياة و هايبقي اللي بيناقشها او بيهاجمها هو اللي الغريب و مش طبيعي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More