في سنة ١٩٥٩، قام السيد "روي توركاسو" برفع دعوى قضائية على ولاية ميريلاند الأمريكية بسبب عدم السماح له بتولي وظيفة "كاتب العدل - Notary Public" بالولاية لأنه رفض الإقرار بأنه يؤمن بالله و هو الإقرار الذي يُلزم كل من يُقدم على تولي منصباً رسمياً في أكثر من ٧ ولايات أمريكية منها تكساس و المسيسيبي و نورث كارولينا و بنسيلڤانيا و ساوث كارولينا و تينيسي و أركنساس و غيرهم بكتابته.
المادة ٣٧ من إعلان الحقوق المدنية بدستور ولاية ميريلاند يُقر بأنه لا يحق لأحد أن يتولى منصباً رسمياً إلا بعد إقراره كتابياً بأنه يؤمن بالله و هو الأمر الذي رفضه السيد روي بكونه ملحداً.
أما المادة الأولى من الدستور الأمريكي فتنص على أنه لا يلزم مطلقاً إجراء أي إختبار ديني لأي شخص كمؤهل لتولي أي منصب عام أو الحصول على وظيفة عامة بالولايات المتحدة الأمريكية". المادة دي هي اللي اعتمد عليها "روي" في دعواه القضائية ضد الولاية أمام المحكمة العليا اللي بتعد أكبر محكمة في أمريكا.
المحكمة العليا في قرارها بأحقية "روي" في عدم إعلانه معتقده إعتمدت على حكم سابق بإحدى القضايا التي كانت في سنة ١٩٤٧. ذلك الحكم جاء بعدما كانت لا تتدخل المحكمة العليا في قرارات المحاكم الخاصة بكل ولاية و كانت كل تخصصها هي الأحكام الفيدرالية فقط. المحكمة أعلنت في قضية ١٩٤٧ بأنه (لا يمكن للدولة ولا الحكومة الاتحادية إنشاء دوراً للعبادة. ولا يمكن أن تُمرر القوانين التي تدعم ديناً أو تدعم جميع الأديان أو تفضل ديناً على آخر. ولا يمكن أن يجبر ولا يؤثر على أي فرد للذهاب إلى دور العبادة أو البقاء فيها رغماً عن إرادته أو يتم إجباره على الإيمان باعتقاد ما أو الكفر بدين ما. و لا يمكن معاقبة أي شخص على ممارسته التسلية أو طقوس خاصة بإحدى المعتقدات الدينية أو اللادينية سواء لمن يذهب منهم إلى دور العبادة أو لا يذهب. ولا يجوز فرض أي ضرائب، كبيرة كانت أم صغيرة، لدعم أي أنشطة أو مؤسسات دينية، أيا كانت مسمياتها، أو لدعم أي صورة قد تعتمدها لتدريس الدين أو ممارسته. ولا يمكن للدولة ولا الحكومة الاتحادية أن تشارك علناً أو سراً في شؤون أي منظمات أو جماعات دينية)
بناءً على ذلك النص قامت المحكمة العليا في سنة ١٩٦٠ بالحكم لصالح "روي". التعليق الذي كتبه القاضي الديمقراطي "هوجو بلاك" و تم إرفاقه بالحكم كان أن (من بين الأديان المتواجدة بالبلاد و التي لا تُدرس ما يُعد بشكل عام إيماناً بوجود الله؛ البوذية و الطاوية و حركة الثقافة الأخلاقية و الإنسانية العلمانية و غيرها). للعلم، هوجو بلاك الذي كتب هذا التعليق في قضية ١٩٦٠ التاريخية هو ذاته من كتب الحكم السابق في قضية ١٩٤٧ وقتما كان عضواً أيضاً في المحكمة العليا.
القصة لم تنتهي عند ذلك، بل هي بدأت من هنا.
البداية تلك هي أن بحكم القانون الدستوري الذي يعتمد على النصوص و كذلك تأويلات قضاة المحكمة و الأحكام السابقة، فإن "الإنسانية العلمانية" ديناً. أي أن كل من لا يؤمن بالله مثل إيمان الأديان السماوية هو يدين بالفعل بديناً إنسانياً.
لية بنقول إن الحكاية ابتدت هنا ؟ علشان من هنا هانبدأ نؤصِّل لفكرة طرحتها من قبل كسؤال: هل الدين و العلم مفترقان حقاً في الفلسفة الغربية ؟
إذا كانت تأويلات أكبر المؤسسات القضائية بالدولة العظمى اليوم و التي تسيطر على المؤسسات العلمية بالعالم أجمع و على المناهج الجامعية و الدراسات المعملية و النظريات المنشورة بالمجلات المتخصصة تقول أن الإلحاد و إنكار وجود الله هو في ذاته ديناً أو معتقداً، فهل حقاً التأصيل العلمي لجميع النظريات العلمية الغربية منزوع منها الدين ؟
😉
0 التعليقات:
إرسال تعليق