"تقنعون أنفسكم بأنكم تملكون زمام السيطرة و أن التكنولوچيا و الآلات تطيع أوامركم. لكن ماذا ستفعلون بدون سياراتكم و هواتفكم ؟ ماذا لو توقفت جميع الطائرات ؟
قبل عشر سنوات، كانت أجهزة الكومبيوتر أدوات باهظة الثمن. أما اليوم، فإن الحضارة كما نعرفها ستنهار بدونها.
تعيشون في رعب من إنقطاع الكهرباء، أو تعطل الكومبيوتر أو تعطل السيارة أو عدم رنين الهاتف. لذلك قمتم ببناء حياتكم و مجتمعكم بحيث لا يحدث ذلك.
كل شيء يدور حول إحتياجاتهم، و ليس إحتياجاتك. يطلقون صوتاً، فتتحرك. يقرعون الجرس، فترد عليهم.
اسأل نفسك ... من المتحكم حقاً ؟ أنت أم هم ؟"
.
.
.
تلك هي بعض العبارات التي ذكرها "تيد زانسكي" في ورقته صاحبة ال٦٥ صفحة و التي حملت عنوان: "الجمعية الصناعية و مستقبلها - Industrial Society and Its Future".
من هو تيد زانسكي ؟
وُلد تيد في العام ١٩٤٢ و أظهر نبوعة مبكرة منذ نعومة أظافره حتى أن والداه قاما بإلحاقه بمرحلة دراسية فاقت عمره بعامان. و في سن ال١٦ التحق بجامعة "هارڤارد" التي حصل منها على شهادة البكالوريوس في الرياضيات قبل أن يحصل على الماچيستير ثم الدكتوراة من جامعة ميتشجان في سن ال٢٥ ليعمل بعد ذلك كمدرس مساعد بجامعة كاليفورنيا.
و لكن "تيد" قدم إستقالته فقط بعد عامان فقط.
تعرض تيد خلال دراسته، ضمن مجموعة كبيرة من زملاءه في هارڤارد، إلى أن يكون مادة للدراسة خاصة بالسيد "هنري موراي" بروفيسور الطب النفسي بالجامعة و ذلك ضمن إحدى البرامج الخاصة بالFBI و التي عملت على دراسة التأثير النفسي على الأشخاص ضمن برنامج سري أجرته الحكومة الأمريكية على مواطنيها و الذي عُرف فيما بعد بأسم "إم كية ألترا - MKUltra" (راجعhttps://www.facebook.com/engwaelmans/posts/10155778573725659)
في العام ١٩٧١، ابتعد "تيد" تماماً للعيش في كوخ صغير وحده بعيداً عن جميع وسائل التكنولوچيا التي كان يرى أنها قد تحولت إلى وحش مدمر و خطر كبير على حياة البشر و أصبح مؤمناً إيماناً كاملاً بعدم جدوى تصحيح النظام و ضرورة هدمه بالكامل و إعادة بناءه من جديد. و في العام ١٩٧٨ شاهد بنفسه عمليات التعدي على تلك البيئة التي لجأ إليها هارباً من الحداثة و وقتها بدأ حملته من أجل نشر أفكاره و التي لجأ فيها إلى القيام بمجموعة من عمليات التفجير عبر قنابل صنعها بيديه منزلياً و أرسلها بريدياً إلى عدة جامعات و أماكن كان يرى أنها تمثل نماذج لإفساد المجتمع قاصداً من ذلك جذب الإنتباه تجاهه. أسفرت تلك القنابل إلى مقتل ٣ أشخاص و إصابة ٢٣ و ذلك خلال ١٧ عاماً منذ العام ١٩٧٨ حتى العام ١٩٩٥.
خلال ١٧ عاماً ظل مكتب التحقيقات الفيدرالي يسعى جاهداً للوصول إلى ذلك الرجل الذي يقوم بإرسال تلك الطرود المتفجرة و التي كانت تحمل توقيعاً مميزاً له، لكن بدون أدنى نتيجة تُذكر حتى العام ١٩٩٥. في ذلك العام أرسل تيد ورقته، السابق ذكر جزء منها، إلى مكتب التحقيقات الفيدرالية مع وعد منه بالتوقف عن التفجيرات في حالة إذا ما سمحت السلطات بنشر الورقة بصحيفة "النيويورك بوست" و "الواشنطن بوست" و مجلة "البنتهاوس" المتخصصة في نشر المواد الجنسية و ذلك من أجل نشر أفكاره على نطاق واسع.
و بالفعل تم نشر ورقة "تيد" بعد محاولات مضنية من مكتب التحقيقات الفيدرالي لإقناع وزارة العدل وقتها.
تلك المرة كانت الأولى التي يتم فيها ملاحقة مجرم عن طريق تتبع سلوكه في إختيار ألفاظه. العميل المختص الذي أكتشف تلك الثغرة في رسائل "تيد" كان العميل "جيم فيتزجيرالد" التي كان متخصصاً في اللغويات و الذي إستطاع تكوين صورة نمطية عن "تيد" من خلال تركيباته للجمل و إختياره للألفاظ و إستخدامه للتعبيرات و التي منها ركز عملية البحث عنه في منطقة جغرافية محددة.
ما حدث بعد النشر هو أن شقيق "تيد"، و الذي كان يراسله من فترة لأخرى، تعرف على أسلوب كتابة أخيه من خلال الورقة الخاصة به و التي تم نشرها بالصحف، و خاصةً أنها قد حملت الكثير من أفكاره التي طالما كان يُحدثه عنها.
قال تيد في إحدى الرسائل التي أرسلها إلى أخيه :
"سيؤدي استمرار التقدم العلمي إلى إنقراض الحرية الفردية". "كانت الثورة الصناعية و عواقبها كارثة على الجنس البشري. كان من المفترض أن تحررنا التكنولوچيا، لكنها لم تفعل ذلك."
---------------------------------------
قصة "تيد" ليست مجرد قصة رجل قاتل إرهابي و لكنها قصة رجل مستوى ذكاءه (IQ) كان ١٨٥ و كان يحمل أفكار قد تكون صحيحة جداً في ذاتها و لكنه لجأ إلى إستخدام التطرف للإعلان عنها و جذب إنتباه الناس إليها.
"تيد" العبقري المجرم برغم أنه يحمل أفكاراً يشاركه فيها اليوم مئات الآلاف من البشر الذين يعانون من أسر الإستهلاكية و الرأسمالية البشعة، إلا أن التجارب التي أجرتها عليه مؤسسات دولته قد أثرت عليه و دفعته نحو عدم الإتزان و الخلل في رد الفعل.
تيد تم الحكم عليه في العام ١٩٩٧ بالسجن مدى الحياة. و في العام ٢٠١٧، أنتجت شبكة "ديسكفري" مسلسلاً من ٨ حلقات يحكي قصته و قصة سعي مكتب المباحث الفيدرالي نحو القبض عليه طوال ١٧ عاماً.
المسلسل حلو ... و الحمد لله مفيهوش مناظر. 🙂
.
.
في إحدى مشاهد المسلسل كانت تلك الفقرة :
(عندما تم اختراع السيارة أصبحنا فجأة أحراراً في الذهاب إلى أي مكان نريده. لكن بعد ذلك أصبح إلزامياً أن يكون لديك سيارة. أصبحنا أكثر محدودية و أكثر تقييداً. كل مدينة يتم إعادة ترتيبها وفقاً للسيارات. إلى أن أصبحنا لا نستطيع شراء الطعام بدون إستخدام السيارة. تم فرضها علينا. حتى أننا لا يمكننا القيادة بسرعة إذا كنا في عجلة من أمرنا أو ببطء إذا أردنا مجرد التنزه. كنا في البداية أصحاب قرار. و الأن نحن عبيد التكنولوچيا الخاصة بنا)