آخر التعليقات

الأحد، 20 ديسمبر 2015

تذويب الفروق ... بالحب




القصة التالية تم نشرها بجريدتي "النيويورك تايمز" الأمريكية ثم "الهآارتس" الإسرائيلية يومي الحادي عشر و الثاني عشر من ديسمبر الماضي مع بعض الإختلافات البسيطة في السرد :
منذ تم إفتتاحه بالعام ٢٠٠٣، أعتادت "هبة مقصود" Heba Macksoud التسوق صباح كل يوم جمعة من متجر "شوبرايت" Shop Rite بصحبة صديقتها و جارتها "ليزا يو" قبل أن تذهب لأداء صلاة الجمعة بعد ظهر اليوم بالمسجد الملحق بالمركز الإجتماعي الإسلامي بنيو جيرسي Islamic Society of Central Jersey.
فبدايةً من الأسماء الإيطالية و الأيرلندية لمديري المتجر، ثم الفتاة التركية المسلمة الجالسة علي صندوق المحاسبة، فالعاملون الأمريكيون ذوي الأصول الأفريقية، و العملاء المصابون بمرض التوحد، يُعبِّر هذا المتجر بالنسبة لهبة عن الولايات المتحدة الأمريكية بجميع أشكال التعدد الذي تهواه. حتي أن المتجر ذاته يمتاز ببيع اللحوم المطبوع عليها كلمة "حلال" و يُصِرْ علي تعليق لافتة طوال شهر رمضان مكتوب عليها "رمضان سعيد" و هو العمل الجيد الذي يعزز مشاعر "المواطنة الصالحة".
و في صباح يوم الجمعة الموافق ٢٥ من سبتمبر، كانت هبة مقصود التي تعمل كمدير التوعية الخاصة بوسائل التواصل الإجتماعي بجامعة "الزيتونة" تقوم بشراء مستلزمات بيتها و هي ترتدي غطاء الرأس؛ الحجاب. و خلال تجولها بالمتجر، لاحظت هبة شابين أبيضان يتحدثان سوياً، و رآها أحدهما و هي تنظر إلي بطنه العارية و إلي الوشوم التي تملأ ذراعيه و الصليب الضخم الذي يرتديه. و عندما اقتربت منهما سمعت أحدهما يقول للآخر :"الإنجيل" ثم بعدما تجازته قال بصوت مرتفع "ليس كالقرآن الذي يقرءونه أولئك المسلمون". ما قامت به هبة هو أنها ردت عليه قائلة "ما كان يجب عليك أن تقول ذلك". ما ذكرته صديقتها "ليزا" فيما بعد أن هبة كانت ترتعش غضباً عندما عادت إليها بعد ذلك الموقف.
توجهت هبة علي الفور إلي إدارة المتجر لتسأل عن المدير الذي حضر ليسمع منها القصة كاملة و حاول بدوره البحث عن الرجل الذي قام "بإهانتها" و لكنه كان قد غادر المتجر. رافق مدير المتجر هبة، التي لم تكن قد أكملت تسوقها بعد و التي أخبرته بأنها تشعر بعدم الراحة و الأمان، حتي أكملت عملية التسوق و غادرت المتجر. إلا انها أصرت علي معرفة أسم مدير المتجر لترسل إلي إدارة المتجر رسالة شكر بسبب المساعدة التي قدمها إليها.
و بالفعل قامت هبة بكتابة ما حدث لها عبر حسابها علي الفيسبوك مما ساعد علي نشر القصة بصورة سريعة.
كانت شيريل أوليتزكي، و هي زوجة أحد أحبار اليهود الأمريكان و أم لولدين من الأحبار أيضاً، ضمن أول من تفاعل مع قصة هبة بالفيسبوك و استأذنتها للتواصل مع السيد/إيجان، مدير المتجر، لتقوم بتكريمه من خلال الجمعية التي قامت بإنشاءها منذ خمسة سنوات مع صديقتها المسلمة و التي تحمل أسم "الأخوة النسوية للسلام شالوم" التي تعمل علي الجمع بين النساء المسلمات و اليهوديات.
و بالفعل تم تكريم الرجل من خلال الجمعية، التي لها ٢٠ فرع بالولايات المتحدة و ١٥ أخرون في طور التأسيس. و أُقيم للرجل حفل و قُدِّمت له جائزة تكريماً علي موقفه النبيل. رافقت الرجل أسرته خلال حفل تكريمه و كذلك العائلة المالكة للمتجر التي قامت بإيداع مبلغ تبرع في حساب الجمعية.
يقول الخبر في نهايته "و في نفس الوقت الذي وقفت فيه هبة بجانب السيد إيجان أمام ٣٥٠ امرأة من مناطق متعددة مثل الكويت وإسرائيل وإنجلترا و من ولاية كاليفورنيا وفلوريدا والعديد من الدول الأخرى، كانت تحدث أحداث أخري بباريس و بسان بيرناردو."
لم ينتهي الخبر عند ذلك الحد بجريدة الهآارتس الإسرائيلية. فقد تحدثت الجريدة عن تلك الجمعية و متي تم إنشاءها و نشاطاتها التي تجمع بين المسلمات و اليهوديات من جميع الجنسيات و الأصول، مصريات كن أو إسرائيليات أو حتي فلسطينيات.
تقول "أوليتزكي" : "نحن في حاجة غير طبيعية إلي هذا النوع من الجمعيات. السيدات اليهوديات و المسلمات ينادين من خلالها بمللهن من العيش في هذا العالم المليء بالكُره و لا يردن أن يكبر أطفالهن ليحملوا ذات الهموم جراء ذلك العالم".
تقول "أوليتزكي" أن الجمعية بدأت بالإجتماع شهرياً منذ تم إنشاءها بصورة غير رسمية في العام ٢٠١٠ من خلال ١٢ سيدة مسلمة-يهودية كن يتبادلن اللقاءات في بيوتهن. و بعد عام بدأن في إصدار جريدة خاصة بأعمال الجمعية حتي حصلت علي ترخيص بالممارسة الرسمية كجمعية غير ربحية بالعام ٢٠١٣. و اليوم هناك أكثر من عشرون فرعاً للجمعية في كل منها تقريباً من ١٢ إلي ١٨ سيدة يقمن بالإجتماع للقيام بثلاث أمور هي الحوار و التبادل الإجتماعي و العمل علي مشروعات مشتركة. فمجموعة مانهاتن، كمثال، تقوم بتدريس اللغة الإنجليزية للمهاجرين السوريين.
كذلك تقمن المسلمات بفتح بيوتهن لشريكاتها اليهوديات لمشاركتهن الإفطار خلال شهر رمضان و تقمن اليهوديات بدورهن بالمثل خلال "عيد العُرش" اليهودي.
تحكي "أوليتزكي" كذلك قصة "كريستين" التي شاركت مؤخراً بأحد إجتماعات الجمعية حاملة إبنها صاحب ال١١ شهر و التي تحولت إلي الإسلام مؤخراً بعدما تزوجت رجلاً تركياً مسلماً. و هي الأن تشارك في الجمعية بفرع واشنطن.
-------------------------------------------------------------------------------------------
المتابع لتحركات الولايات المتحدر الأمريكية في الشأن الداخلي الإجتماعي و من خلال نشاط المجتمع المدني الأمريكي و ما يدعمه الإعلام الأمريكي سيلاحظ أن الإدارة الأمريكية تدفع المشهد بقوة نحو إعادة إحياء الحلم الأمريكي القائل بأن تلك الأرض قد جمعت الناس من شرقها و غربها تحت علم واحد من أجل الحفاظ علي القيم "الإنسانية" و من أجل التغافل عن الصراعات التي طالما كانت السبب في الحروب التي خلفت الدماء و آلاف الجثث و تركت إرثاً ضخماً من الدمار و الذكريات البائسة.
ذلك المشروع الذي يقوم بعولمة النموذج الأمريكي ليتمناه كل من يعيش بؤس الحرب و الدمار أو حتي يخاف من الأحداث التي تجري من حوله بالمنطقة لأن تصل في يوم إلي أرضه و بيته.
ذلك المشروع المنادي بشعار "أحبوا بعضكم البعض و تغافلوا عن خلافاتكم"
المشروع الذي يحمل في طياته : "إما تقبُّل الآخر، أياً كان، أو الفوضي"

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More