حرية التعبير : حق و مسؤولية.
ماحدش يقدر ينكر حاجة الإنسان الطبيعية للحرية لأنه إتخلق أصلاً حر. لكن زي ما إتخلق حر، كمان إتخلق محدود. يعني إية محدود ؟؟ يعني ليه حدود في التصرف و التحكم و الفعل. يعني كل أفعاله و تصرفاته حدودها بتقف عند حدود غيره و كمان بتقف عند حدود حاجته. يعني مش من الحرية إني أستهلك فوق طاقتي الحاجات إللي غيري بيحتاجها لمجرد إني قادر علي إمتلاكها. ولا من الحرية إني أفسد مكان ممكن يستخدمه غيري لمجرد أنه في اللحظة دي ملكي وحدي.
تعالوا نطرح أمثلة؛ هل من حق أي فرد أنه يدخل سوبرماركت و يشتري أطنان من المأكولات و ياكل إللي عايزه و يرمي الباقي لمجرد أنه يمتلك القيمة المادية إللي يقدر يدفعها ؟
هل من حق أي فرد أنه يشغَّل التكييف مثلاً علي أقل درجة حرارة و يسيب المكان لساعات طويلة لمجرد أنه قادر علي دفع قيمة فاتورة الكهرباء إللي هي حق للجميع ؟
هل من حق أي فرد أنه يفتح حنفية المياة و يسيبها تنزل علي الأرض علشان مجرد مكسِّل يقفلها و علشان يقدر يدفع تمنها و هي ملك لكل الناس ؟
مش من المفروض أن الحرية ليها قواعد زي أي نظام في الكون ؟ و مش من القواعد دي أنك ماتتعداش علي حقوق غيرك ؟ و حقوق غيرك مش هي الإستمتاع بنصيبه من الطبيعة و الموارد زي ما أي فرد داخل المنظومة بيستفيد منها ؟
يعني من الآخر أهم قاعدة في ممارسة الحرية هو أنك ماتتعداش علي حقوق غيرك. دا الأصل.
و دا بالنسبة لحقوق الممارسة إللي هانرجعلها تاني كمان شوية.
و دا بالنسبة لحقوق الممارسة إللي هانرجعلها تاني كمان شوية.
بالنسبة لحرية الخيال فأعتقد أن دا شيء ماحدش يقدر ينكره ولا يقدر أصلاً يتدخَّل فيه لأنه غير مرئي و غير مؤثر علي الغير طالما ظل داخل حدود العقل و الوعي الخاص بصاحبه.
طيب لو الخيال دا صاحبه خرَّجه في أي شكل من الأشكال ؟ ..... يعني في لوحة أو كلمات أو في صورة ..... أو في فيلم سينمائي أو أبيات من الشعر أو مسلسل تليفزيوني أو قطعة موسيقية ..... هل يبقي الخيال في اللحظة دي ملك لصاحبه فقط ؟ و إية هو شكل الإخراج دا ؟ هل داخل محيطه الشخصي أو داخل محيط أصدقاءه و محبيه وللا هايعلن عنه في المحيط العام اللي هو ملك للجميع ؟ و هل إللي بيعرضه في المحيط العام دا بيأثر علي كل إللي بيشاركوه المحيط دا وللا مش بيأَّثر ؟ و هل التأثير دا مُضِر وللا نافع ؟ و مين إللي يحدد القواعد دي ؟ و مين أصلاً إللي من حقه يمنع الخيال من الإنتشار و مين من حقه يسمح بيه ؟ و هل وسائل الإنتشار النهاردة صعبة ؟ و هل سهولة الوسائل معناها فتح المجال للجميع بدون ضوابط ؟
طيب تعالوا نطرح مثال و نحلله: [لو واحد تخيَّل صورة في ذهنه بتعبَّر عن منظور هو بيؤمن بيه، و مسك الصورة دي و نزل بيها في الشارع.]
خروج الصورة من محيط صاحبها الخاص للمحيط العام لا يعني سوي أن صاحبها عنده فكرة عايزها تنتشر لأنه لو كان مجرد عنده خيال و بيخرَّجه، يبقي لية هو عايز غيره يشوفه ؟
الموضوع هنا أنتقل من تبني فكرة خيالية إلي تبني قضية فكرية أو تعبيرية.
و علشان نفهم مسألة حرية التعبير محتاجين نقرأ بعض كتابات إللي بيطالبوا بيها.
في إبريل ٢٠١٤ نزِّلت "مؤسسة حرية الفكر و التعبير" دراسة بعنوان "رقباء الإبداع – دراسة في الرقابة علي التعبير الفني في مصر". الفريق إللي قام بالدراسة مجموعة شباب من أصحاب الخبرة في مجال حقوق الإنسان و الحريات المدنية و حرية التعبير و حرية "الجندر". و الدراسة دي كانت بتمويل من قسم الشؤون الثقافية الخاص بوزارة الخارجية النرويجية.
تعالوا نقرأ بعض المسائل إللي اتكلم فيه التقرير :
[تاريخيا لعب الفن بصوره المختلفة دورا جوهريا في تحدي القيم والممارسات المعادية لحرية الفرد، ولحقوق الإنسان في المجتمع المصري. ذلك القمع يتجلى في رفض "أنماط العلاقات الجنسية الخارجة عن النمط السائد والمقبول في المجتمع"؛ والذي يتمثل في أن العلاقة الجنسية السليمة يجب أن تكون بين رجل وامرأة، وفي إطار مؤسسة الأسرة المعترف بها اجتماعيا، وأي عمل فني يتضمن تصوير لأنماط أخرى كالعلاقات المثلية.
[تاريخيا لعب الفن بصوره المختلفة دورا جوهريا في تحدي القيم والممارسات المعادية لحرية الفرد، ولحقوق الإنسان في المجتمع المصري. ذلك القمع يتجلى في رفض "أنماط العلاقات الجنسية الخارجة عن النمط السائد والمقبول في المجتمع"؛ والذي يتمثل في أن العلاقة الجنسية السليمة يجب أن تكون بين رجل وامرأة، وفي إطار مؤسسة الأسرة المعترف بها اجتماعيا، وأي عمل فني يتضمن تصوير لأنماط أخرى كالعلاقات المثلية.
أيضا يعتبر الدين من الخطوط الحمراء التي لا يجوز للأعمال الفنية انتقادها وفقاً للقوانين واللوائح المنظمة للرقابة، وبوجه عام لا تكفل القوانين المصرية حرية التعبير الديني، خاصة إذا تضمن التعبير نقد المباشر أو غير مباشر للأديان السماوية (الإسلام، المسيحية، اليهودية)، أو طرح أسئلة شائكة حول مسائل دينية مسلم بها من المجتمع، وهو ما ينعكس على التعبير الفني ويضع عوائق شديدة أمام الأعمال الفنية.]
التقرير يقصد كما هو واضح أن منع أي إصدارات فنية بتتكلم عن الشذوذ الجنسي أو الممارسة الجنسية الغير شرعية و الغير قانونية هو من باب منع حرية التعبير. كمان الدعوة للإلحاد أو عبادة أي شيء مخالف للأديان السماوية الثلاثة هو أيضاً منع لصوت الأحرار.
التقرير بيقول أن مصر صدَّقت علي مجموعة من المواثيق الدولية التي تكفل حرية التعبير بوجه عام، وحرية الإبداع بوجه خاص. من المواثيق دي كان "العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية" و "العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" و "التوصيات الصادرة عن المقرر الخاص للحقوق الثقافية بشأن حرية التعبير الفني" و بيقول أن مصر لغاية دلوقتي لم تلتزم بكل هذه المعاهدات و المواثيق.
كمان التقرير بينتقد المادة ٨ من اللائحة التنفيذية لأعمال الرقابة علي الأعمال الفنية و بيقول عليه أنه "يتسم بالمحافظة الشديدة" ..... تخيلوا بأة الأفلام إللي بنشوفها دي و محافظة !!!! أمال لو لغينا الرقابة ؟
ينتقد التقرير الرقابة من حيث أنها بتأكِّد علي صاحب العمل الفني أنه مايبقاش مخالف لمجموعة من القيم، و شايف أنه كدا [يمثل قيدا شديدة الخطورة على حرية الفن]. كمان بينتقد التقرير القانون من جانب أنه [يقيِّد الأعمال الفنية التي تتناول مسائل دينية؛ سواء التي تتعلق بحرية التعبير عن المعتقد، أو تتناول التوجهات الدينية غير المعترف بها من الدولة والمجتمع؛ كاللادينية والأديان غير السماوية، أو مناقشة التاريخ الديني من منطلقات مخالفة في الرأي للآراء الدينية السائدة، أو حتى نقد الأديان باعتباره جزء لا يتجزأ من حرية التعبير والحق في النقد بوجه عام]. كمان بينتقد التقرير مواد قانون الرقابة إللي بتمنع المشاهد التي تتناول جسد المرأة أو العلاقات الجنسية، بذريعة حماية [الحياء العام أو الآداب العامة].
في التقرير نقد لاذع لمنع عرض المشاهد الجنسية. النقد مذكور في التقرير بنفس الصيغة التالية: [ويعتبر الجنس -بعد المحتوى الديني- من أكثر الموضوعات تعرضا للقيود في مجال حرية التعبير الفني؛ خاصة ما يتعلق بعري الجسد أو بكشف تفاصيله أو المشاهد المتعلقة بالعلاقات الجنسية؛ سواء بين رجل وامرأة، وتزداد القيود عند الحديث عن العلاقات غير المألوفة للمجتمع؛ كالعلاقات المثلية، التي لا مجال لها في التعبير الفني في مصر بأشكاله كافة، وهو ما يعوق المبدعين عن العمل بحرية ويجعلهم فريسة للرقابة الذاتية، لتجنب شبحا الرقابة الحكومية والرقابة المجتمعية.]
في النهاية التقرير بينصح الحكومة المصرية بتعديل التشريعات الخاصة بالفنون لتصبح متوافقة مع المعايير الدولية لحرية التعبير الواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، خاصة الاتفاقيات التي صدقت عليها مصر:
- على الحكومة المصرية ان تلغي كل التشريعات التي تفرض رقابة مسبقة على حرية التعبير الفني.
- على الحكومة المصرية أن تعدل التشريعات التي تجرم التعبير الفني.
- علي الحكومة المصرية أن تحل نظام الرقابة الحالي وتستبدله بنظام تصنيف فني يعتمد على السن، دون التدخل في مضمونه أو تعديله أو حذف أجزاء منه، مع إبداء الاحترام لتمثيل الفنانين في إدارة هذا النظام.
- على الحكومة المصرية أن تنظم استخدام الفضاء العام الخاص بالفنانين ليسمح لهم بالتواصل مع جمهورهم بدون قيود قانونية وبيروقراطية لا لزوم لها.
- يجب على الهيئة المنوط بها صياغة الدستور أن تمنع أي رقابة غير ضرورية على التعبير الفني وتجريم أي رقابة مسبقة.
- على الحكومة المصرية ان تلغي كل التشريعات التي تفرض رقابة مسبقة على حرية التعبير الفني.
- على الحكومة المصرية أن تعدل التشريعات التي تجرم التعبير الفني.
- علي الحكومة المصرية أن تحل نظام الرقابة الحالي وتستبدله بنظام تصنيف فني يعتمد على السن، دون التدخل في مضمونه أو تعديله أو حذف أجزاء منه، مع إبداء الاحترام لتمثيل الفنانين في إدارة هذا النظام.
- على الحكومة المصرية أن تنظم استخدام الفضاء العام الخاص بالفنانين ليسمح لهم بالتواصل مع جمهورهم بدون قيود قانونية وبيروقراطية لا لزوم لها.
- يجب على الهيئة المنوط بها صياغة الدستور أن تمنع أي رقابة غير ضرورية على التعبير الفني وتجريم أي رقابة مسبقة.
و لا داعي للتفصيل في تقرير مؤسسة أخري من المؤسسات الحقوقية زي "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" إللي أصدرت في أغسطس ٢٠١٣ تقرير بعنوان "حصار التفكير – قضايا إزدراء الأديان خلال عامين من الثورة" و بتتكلم فيه عن الرفض التام لأي محاكمة تتم تجاه أي شخص يُدلي برأيه في مسألة تخص الدين أو الشريعة سواء من حيث المتغيرات أو حتي الثوابت. و يكفي للقاريء أن يعلم أن تلك المؤسسة قد طالبت بإيقاف تنفيذ عقوبة سجن إسلام البحيري بتهمة ازدراء الدين الإسلامي.
حتي "مؤسسة حرية الفكر و التعبير" نفسها قدمت أكثر من بلاغ بوقف الأحكام القضائية التي تم إصدارها من قبل بمنع عرض الأعمال الفنية التي تمس الأنبياء و الرسل مثل مسلسل "يوسف" الإيراني إللي كان بتم تمثيل دور نبي الله يوسف و نبي الله يعقوب.
و هنا نطرح السؤال : لية المؤسسات دي مهتمة كدا بتنفيذ المواثيق و الإتفاقات الدولية في جانب الحقوق الشخصية و رافضة المعاهدات و الإتفاقات الدولية برضوا اللي قامت بيها الدولة بخصوص الموارد الطبيعية زي إتفاقية تصدير الغاز و ما شابهها ؟ هو المبدأ إللي يقول أن الشعب لم يشارك في الإتفاقية الأخيرة مش نفس المبدأ إللي يقول أنه لم يقل رأيه في الإتفاقيات الخاصة بالحقوق العامة ؟
لماذا لا يخرج مُدَّعوا حرية الرأي علينا بعرض إقتراح لإستفتاء عامة الناس علي إلغاء الرقابة و تغيير قوانين منع العرض ؟
العقد الإجتماعي الذي بين أبناء هذا الوطن هو الحاكم و ليست تلك المؤسسات الدولية التي تتشدق بحريات مواطنيها. ذلك العقد الإجتماعي هو الذي يجمع أبناء الدين الواحد ثم القومية الواحدة تحت لواء المحافظة علي القيم و الأخلاق التي تتقلص يوماً بعد يوم.
و لا يعني صعوبة المنع أن نلغي الحواجز و نتجاوزها، بل دعنا نتخيل المشهد دونها. فما نعانيه الأن من سوء أدب و إنعدام للأخلاق و السلوكيات الحسنة سيزيد أضعافاً. و ليس السبيل للتغيير هو أن نكون متشابهين مع غيرنا في كل شيء. و إذا أردنا مناقشة قضية الحريات، فيجب أن نناقشها في المجال المفتوح و نشرك فيها جميع فئات الشعب التي ستتعرض إلي إنتهاك لحقوقها بعدم مشاركتها.
أليست تلك قضيتكم ؟
دعونا نتناقش.